د. رجاء الكندي: الطب والجمباز شغفي وأعمل جاهدة لتحقيق التوازن بينهما

بتاريخ: 2020-10-28
text

شابة امتزج عندها جمال الوجه بالروح فأنتج موهبة أصيلة وعشقاً فريداً للرياضة.. منذ الصغر تميزت بقفزاتها ولياقتها البدنية العالية لجسدها الرشيق ، فعلاقتها بالجمباز الإيقاعي كلاعبة ومدربة علاقة وطيدة تمتد لسنوات طويلة ، حتى أصبع الناتج اليوم يعكس صورة فراشة جميلة طائرة حصدت الكثير من المشاركات والإنجازات في مشاركاتها المحلية والخارجية.
وعلى الرغم من مهامها الكثيرة كطبيبة قلب, إلا أنّ د.رجاء الكندي تتابع شغفها كمدربة في نادي محافظة دمشق الذي يسجل له متابعة ورعاية ألعاب خفت بريقها في سورية ومنها الجمباز بشقيه الفنيّ والإيقاعيّ .. التقيناها وأجرينا معها الحوار التالي:

*- متى بدأت علاقتك بالرياضة؟ ولماذا اخترت الجمباز؟
نشأت في أسرة رياضية جعلت علاقتي بالرياضة قديمة جداً بدأت منذ كنت في السابعة من عمري بتوجيه من والدتي التي كانت لاعبة جمباز في فريق مدينتها بأوكرانيا حيث بدأت بتدريبي في المنزل ثم انضممت لفريق نادي المحافظة وأصبحت لاعبة ضمن منتخب سورية للجمباز الإيقاعي .
واخترت رياضة الجمباز لأنها جميلة ومتكاملة للأنثى فهي تجمع بين الرشاقة والليونة من جهة والقوة العضلية من جهة أخرى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالموسيقا والإحساس إضافة للأدوات من كرة وشريط وإطار وغيرها مما يكسبها جمالية ومهارة عالية.

*- ماهي أبرز الإنجازات التي استطعتِ تحقيقها خلال مشوارك مع اللعبة؟
شاركت أكثر من مرة في بطولة الجمهورية ونجحت في تحقيق المركز الثاني كما شاركت في عدة بطولات للأندية في مصر بمشاركة فرق عربية وأجنبية ونجحت في إحراز المركز الثاني في البطولة العربية الثالثة للجمباز في مصر مع المنتخب السوري كما شاركت في بطولة آسيا العاشرة للجمباز للناشئين والناشئات التي أقيمت في دمشق فضلاً عن مشاركتي في عدد من البطولات والفعاليات الأخرى منها بطولة دمشق ومهرجان الإرادة والحياة الذي أقيم ضمن الأولمبياد الخاص السوري برعاية السيدة الأولى.
أما الإنجاز الذي أعتبره الأكبر فهو تحقيق فريق نادي المحافظة الذي نقوم بتدريبه الأن المركز الأول في بطولة الجمهورية التي أقيمت قبل عامين.

*- حدثينا عن بداية مشوارك في العمل التدريبي ؟ ولماذا اخترت نادي المحافظة؟
بعد تخرجي من كلية الطب البشري في دمشق قررت الاستمرار بهذه الرياضة الجميلة وتعليمها للفراشات الصغيرات بتشجيع و دعم من المشرفة على لعبة الجمباز بنادي المحافظة سالي عياش .
قمت باختيار نادي المحافظة بسبب الرؤية الواعدة التي يملكها والمعتمدة على التكامل بين النواحي الرياضية والتربوية والإنسانية والدعم الكبير الذي يقدمه للاعبيه على كل المستويات حيث أن النادي لا يقدم الصالة و التجهيزات والمدربين فحسب ، بل يقوم برعاية احتياجات لاعبيه الدراسية والصحية والمادية والاجتماعية والنفسية وهذا الأمر في غاية الأهمية في ظل الظروف الراهنة حيث أنّ الأطفال هم الفئة الأكثر حساسية ومن المهم جداً إنشاء جيل واعد متزن يتحمل للمسؤولية ويحمل التفاؤل والأمل والهمة العالية لبناء مستقبل مشرق لبلادنا وعلينا حمايتهم والاهتمام بكامل جوانب شخصياتهم الصغيرة وليس مجرد الجانب الرياضي أو الفني وهذا ما وجدته متوفراً في نادي المحافظة عن غيره من الأندية الرياضية.

*- ما الذي يميز الجمباز الإيقاعي عن غيره من فئات الجمباز الأخرى مثل الفني والترمبولين؟
ما يميز الجمباز الإيقاعي عن غيره هو التكامل .. الجمباز الإيقاعي ليس مجرد متتالية من الحركات لها علامة معينة .. كل التفاصيل مهمة ، بدءاً من رباط شعر اللاعبة الذي يتلاءم مع لباسها المميز بالألوان والتصاميم ، والتي تتلاءم بدورها مع الموسيقا التي تؤدي عليها اللاعبة جملتها الايقاعية ، فهو أحمر إن كان تانغو ، أبيض إن كان بحيرة البجع وهكذا.
الأدوات في الجمباز الإيقاعي متقنة الصنع ذات ألوان زاهية بعضها له بريق خفيف مثل أداة الكرة وبعضها تقوم اللاعبة نفسها بتزيينه بأشرطة لاصقة خاصة ملونة مثل الإطار والصولجان وبعضها يعتمد على صبغات خاصة تحمل تداخلاً بديعاً في الألوان مثل الحبل والشريط.
تمضي اللاعبة والمدربة وقتاً طويلاً في اختيار الموسيقا وتصميم الجملة على الوجه الأكمل وتحقيق تناسق كامل بين الجسد والإيقاع.
الصعوبات التقنية في الجمباز الإيقاعي تجمع بشكل مثالي بين المرونة و القوة مما يعطي انطباع الخفة والرشاقة والسهولة على الرغم من المجهود الجبار الذي تؤديه اللاعبة لأدائها .
أرى أنّ الجمباز الإيقاعي هو الرياضة المثالية التي تجمع بين الجمباز الفني و بين الرقص والباليه وبين الأكروباتيك والترامبولين.

*- ما الفائدة التي عادت عليكِ من رياضة الجمباز؟
أولاً- الفائدة الصحية فأنا لازلت حتى الآن أتمتع بلياقة عالية وصحة بدنية جيدة.
ثانياً- الفوائد التربوية فالجمباز رياضة تحتاج للالتزام المطلق وتحمل المسؤولية وتجاوز الصعوبات من الألم والتعب وذلك انعكس على كل المجالات الأخرى وساعدني على النجاح في الدراسة والعمل.
ثالثاً- تنظيم الوقت فالجمباز يحتاج لفترات تدريب طويلة تصل لخمس أو ست ساعات بشكل يومي وهذا لن يتحقق إلا بتنظيم الوقت والاستفادة منه للدرجة القصوى إضافة للعديد من الفوائد الأخرى ، فلقد سافرت لأداء البطولات وتعرفت على الكثير من اللاعبات ومازلنا أصدقاء نتبادل الخبرات حتى الوقت الحالي ، إضافة إلى الثقة والسعادة التي يمنحني إياها تدريب فراشاتي الصغيرات فهن بمثابة شعاع شمس وسط الضغط الكبير الذي أتعرض له بعملي في القطاع الصحي في ظروف الوباء الحالية.

*- ماعدد مواهب الجمباز في نادي المحافظة وكيف تعملون على رعاية وتدريب المتميزين منهم؟
يوجد لدينا حالياً حوالي ٢٥ لاعبة وهذا العدد في ازدياد مستمر بسبب الإقبال الكبير على هذه اللعبة الجميلة.. نقوم بتدريبهن على أربع مجموعات تشرف عليها مدربات متخصصات وذلك لتحقيق العدد المثالي للمجموعة الواحدة وهو ست أو سبع لاعبات كحد أقصى ، ونجري اختبارات بشكل دوري لتقييم مستوى اللاعبات ومدى تطورهن والمحافظة على سوية اللعبة بالشكل المطلوب .
نقوم بتقديم التسهيلات الممكنة من حيث المرونة في أوقات التدريب وذلك ليتناسب مع مدارس الأطفال وواجباتهم الدراسية ولا يتعارض معها ، نسعى لتقديم الرعاية الصحية في حالة إصابة إحدى اللاعبات ونقوم بفحوصات طبية روتينية حسب الحاجة ، إضافة لتأمين المواصلات أو تقديم بدل وتعويضات للاعبات المتميزات .

*- وكيف تقيميين مشروع محافظة دمشق الرائد (بكرا إلنا) لاكتشاف ورعاية المواهب؟
المشروع قدم أملاً كبيراً في توفير الكثير من الألعاب الرياضية التي كانت تعد من الرفاهيات لعدد كبير من الأطفال وبشكل خاص الأطفال الذين عانوا من الحرب ، وقام المشروع بذلك على مستوى عال جداً من حيث التجهيزات والمدربين والخبرات التي وظفها لذلك.
ولا يوجد ثمة عمل أسمى من رسم ابتسامة على وجه طفل قد يكون فقد أحد أفراد عائلته أو منزله أو مدرسته ، و زرع أمل في قلبه بمستقبل جميل.

*- ماذا عن الصعوبات التي تواجهك في تدريب الأعمار الصغيرة؟
الصعوبة الأكبر في تدريب الأعمار الصغيرة هو تحقيق الانضباط فالصغار يميلون للهو واللعب والجمباز كما ذكرت سابقاً رياضة تحتاج للكثير من الانضباط والالتزام والمجهود وهي رياضة مؤلمة ومتعبة للغاية.
يوجد صعوبة في توضيح الحركات للصغار وتعليمهم الطريقة الصحيحة لأدائها فهم لا يعلمون المجموعات العضلية المسؤولة عن هذه الحركة أو تلك مما ينجم عنه الكثير من الحركات الغريبة والمضحكة إضافة للحاجة إلى التكرار المستمر للملاحظات ريثما تكتسب صفة المنعكس .
ولكنها جميعها صعوبات قابلة للتجاوز وبمجرد أن يتم التأسيس الصحيح للاعبة من عمر صغير فقد قطعت نصف الشوط وسوف ترى نتائج مذهلة و تطوراً سريعاً فيما بعد .

*- في أي العملين وجدت نفسك أكثر كلاعبة أم مدربة؟
سؤال يصعب الجواب عليه فكل منهما يحمل جمالية خاصة واللاعب الجيد ليس بالشرط أن يصبح مدرباً جيداً والعكس صحيح.. هما عالمان مختلفان تماماً في حين أن الأول يعتمد على الإرادة والموهبة الشخصية والمهارة ، أما الثاني فيعتمد بشكل أساسي على موهبة التعامل مع الأطفال وإيصال المعلومة لهم بطريقة صحيحة ..أعتبر نفسي محظوظة جداً لأنني جربت كلا الأمرين ولا أستطيع تفضيل أحدهما عن الآخر.

*- كيف تنظرين إلى واقع رياضة الجمباز في سورية ؟ ولماذا خفت بريق اللعبة وهي كانت من الألعاب المتألقة عربياً في مرحلة سابقة؟
هذا الأمر هو انعكاس الوضع العام في سورية بشكل أساسي ، من حيث هجرة المدربين والحكام ، انعدام مشاركاتنا في البطولات والمؤتمرات الخارجية والصعوبات الاقتصادية واللوجستية التي تواجهنا في إجراء البطولات والمعسكرات الداخلية.
حتى في سياق التدريبات اليومية يقدم أطفالنا وأهاليهم الكثير من التضحيات في سبيل الالتزام بها ولا بد من توجيه شكر كبير لهم على ذلك.
وأنا لا أرى أي سبب آخر عدا ذلك فأطفالنا موهوبون جداُ و يتميزون بحب الحياة والإصرار والاجتهاد والمستوى الذي حققوه في هذه الظروف أكثر من ممتاز.

*- هل تستفيدين من الرياضة في إقبالك على الحياة؟
طبعاً ، فالرياضة هي نمط حياة ، والإنسان الرياضي هو إنسان سعيد ، يتمتع بلياقة بدنية ، يتمتع بالروح والأخلاق الرياضية و يعلم جيداً كيف يستثمر وقته.

*- ما رسالتك للمرأة من خلال تجربتك في العمل الرياضي؟
على المرأة أن تعمل بكل قوتها لتحقيق ذاتها من خلال أي مجال تراه مناسباً لها ، ذلك يدعم ثقتها بنفسها بشكل كبير ويشعرها بالقوة ويخرجها من الحياة النمطية الرتيبة إلى النجاح والاستقرار المادي والمعنوي ، و يسهم بشكل كبير في اكتسابها الخبرة والحكمة اللازمة لمسؤوليتها العظمى وهي تربية و بناء جيل جديد قادر على قيادتنا نحو مستقبل أفضل.

*- كيف توفقين بين الرياضة ومهنتك كطبيبة؟
هذا الأمر لا يخلو من الصعوبة والتضحيات على حساب الحياة الاجتماعية والراحة والترفيه إلا أن النتيجة تبرر هذه التضحيات وبشكل كامل ولم أشعر بالندم يوماً على أنني تخليت عن رحلة ما في سبيل التدريب.

*- لماذا لم تدرسي في كلية الرياضة بدلاً من الطب؟
هناك إمكانية لممارسة الرياضة إلى جانب اتخاذ الطب كمهنة، ولا إمكانية في العكس وهنالك إمكانية في التوفيق بين الاثنين فلم لا ؟
الطب كان وسيبقى شغفي إلى جانب شغفي بالجمباز وأعمل جاهدة لتحقيق التوازن بينهما.

*- لو امتطينا جياد أحلامك فإلى أين ستحملنا؟
ستحملنا إلى عودة الاستقرار والأمان والازدهار لبلادنا ، سيزول التعب المرسوم على الوجوه وسيزول الحزن من القلوب ، سننسى الحرب كما ننسى الحلم السيء عند بزوغ الشمس .
سننجب أطفالاً إلى عالم أفضل وأطفال اليوم سوف يصبحون قادة الغد حيث لن يعاني طفل من الحرمان أو الخوف أو الفقر أو الجوع.

*- البطاقة الشخصية والرياضية
- الاسم: رجاء ماهر كهراني كندي
- الدراسة: كلية الطب البشري في جامعة دمشق
- العمل الحالي: طبيبة مقيمة لاختصاص الداخلية القلبية في الهيئة العامة لمشفى الباسل لأمراض وجراحة القلب بدمشق ، مدربة للجمباز الإيقاعي في نادي المحافظة بدمشق .
صفوان الهندي

 

اضافة تعليق

back-top